فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{قَالَ لَهُ صاحبه}.
استئناف كما سيق {وَهُوَ يحاوره} جملةٌ حاليةٌ كما مر فائدتُها التنبيهُ من أول الأمرِ على أن ما يتلوه كلامٌ معتنًى بشأنه مسوقٌ للمحاورة {أَكَفَرْتَ} حيث قلت: ما أظن الساعةَ قائمةً {بالذى خَلَقَكَ} أي في ضمن خلقِ أصلِك {مّن تُرَابٍ} فإن خلْقَ آدمَ عليه السلام منه متضمّنٌ لخلقه منه لِما أن خلقَ كل فردٍ من أفراد البشر له حظٌّ من خلقه عليه السلام إذ لم تكن فطرتُه الشريفةُ مقصورةً على نفسه، بل كانت أُنموذجًا منطويًا على فطرة سائرِ أفرادِ الجنسِ انطواءً إجماليًا مستتبِعًا لجريان آثارِها على الكل، فكان خلْقُه عليه السلام من التراب خَلْقًا للكل منه، وقيل: خلقَك منه لأنه أصلُ مادتِك إذ به يحصُل الغذاءُ الذي منه تحصل النطفةُ فتدبر {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} هي مادتُك القريبة فالمخلوقُ واحدٌ والمبدأُ متعددٌ {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} أي عَدلك وكمّلك إنسانًا ذكرًا أو صيّرك رجلًا، والتعبيرُ عنه تعالى بالموصول للإشعار بعلية ما حيز الصلة لإنكار الكفرِ والتلويحِ بدليل البعثِ الذي نطق به قولُه عز من قائل: {السعير يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ} إلخ.
{لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى} أصله {لكنْ أنا} وقد قرئ كذلك فحُذفت الهمزةُ فتلاقت النونان فكان الإدغامُ، و{هو} ضميرُ الشأن وهو مبتدأٌ خبرُه الله ربي وتلك الجملةُ خبرُ أنا والعائدُ منها إليه الضميرُ، وقرئ بإثبات ألفِ أنا في الوصل والوقف جميعًا وفي الوقف خاصة، وقرئ: {لكنه} بالهاء و{لكن} بطرح أنا و{لكن أنا لا إله إلا هو ربي}، ومدارُ الاستدراك قوله تعالى: {أَكَفَرْتَ} كأنه قال: أنت كافرٌ لكني مؤمنٌ موحّد {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} فيه إيذانٌ بأن كفرَه كان بطريق الإشراك. {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ} أي هلاّ قلت عندما دخلتَها، وتقديمُ الظرف على المحضَّض عليه للإيذان بتحتّم القولِ في آن الدخولِ من غير ريث لا للقصر {مَا شَاء الله} أي الأمرُ ما شاء الله أو ما شاء الله كائنٌ على أن ما موصولةٌ مرفوعةُ المحلِّ، أو أيَّ شيء شاء الله كان على أنها شرطيةٌ منصوبةٌ والجوابُ محذوفٌ، والمرادُ تحضيضُه على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله تعالى إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} أي هلا قلت ذلك اعترافًا بعجزك وبأن ما تيسر لك من عِمارتها وتدبيرِ أمرِها إنما هو بمعونته تعالى وإقداره عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوةَ إلا بالله لم يضُرَّه» {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} أنا إما مؤكدٌ لياء المتكلمِ أو ضميرُ فصْلٍ بين مفعولي الرؤيةِ إن جُعلت عِلْميةً، و{أقلَّ} ثانيهما، وحالٌ إن جُعلت بصَريةً فيكون {أنا} حينئذ تأكيدًا لا غيرُ لأن شرطَ كونِه ضميرَ فصلٍ توسطُه بين المبتدأ والخبر أو ما أصلُه المبتدأُ والخبر، وقرئ: {بالرفع} خبرًا لـ: {أنا} والجملةُ مفعولٌ ثانٍ للرؤية أو حالٌ وفي قوله تعالى: {وَوَلَدًا} نُصرةٌ لمن فسر النفرَ بالولد.
{فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} هو جوابُ الشرط والمعنى إن ترنِ أفقرَ منك فأنا أتوقع من صنع الله سبحانه أن يقلِبَ ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزُقني لإيماني جنةً خيرًا من جنتك ويسلُبَك لكفرك نعمتَه ويُخْرِب جنتك {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} هو مصدرٌ بمعنى الحِساب كالبُطلان والغفران أي مقدارًا قدره تعالى وحسَبه، وهو الحكمُ بتخريبها، وقيل: عذابَ حُسبانٍ وهو حسابُ ما كسبت يداه، وقيل: مَراميَ جمعُ حُسبانة وهي الصواعقُ. ومساعدة النظمِ الكريم فيما سيأتي للأولين أكثر {مِّنَ السماء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} مصدر أريد به المفعولُ مبالغةً أي أرضًا ملساء يُزْلَق عليها لاستئصال ما عليها من البناء والشجر والنبات.
{أَوْ يُصْبِحَ} عطف على قوله تعالى: {فَتُصْبِحُ}، وعلى الوجه الثالث على يرسلَ {مَاؤُهَا غَوْرًا} أي غائرًا في الأرض أُطلق عليه المصدرُ مبالغة {فَلَن تَسْتَطِيعَ} أبدًا {لَهُ} أي للماء الغائرِ {طَلَبًا} فضلًا عن وجدانه وردِّه. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ لَهُ صاحبه}.
استئناف كما سبق {وَهُوَ يحاوره} جملة حالية كالسابقة، وفائدتها التنبيه من أول الأمر على أن ما يتلوها كلام معتنى بشأنه مسوق للمحاورة.
وقرأ أبي وحمل ذلك على التفسير {وَهُوَ} {يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} أي في ضمن خلق أصلك منه وهو آدم عليه السلام لما أن خلق كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه عليه السلام إذ لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواءً إجماليًا مستتبعًا لجريان آثارها على الكل فإسناد الخلق من تراب إلى ذلك الكافر حقيقة باعتبار أنه مادة أصله، وكون ذلك مبنيًا على صحة قياس المساواة خيال واه، وقيل خلقك منه لأنه أصل مادتك إذ ماء الرجل يتولد من أغذية راجعة إلى التراب فالإسناد مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب فتدبر.
{ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} هي مادتك القريبة فالمخلوق واحد والمبدأ متعدد، ونقل أنه ما من نطفة قدر الله تعالى أن يخلق منها بشرًا إلا وملك موكل بها يلقى فيها قليلًا من تراب ثم يخلق الله تعالى منها ما شاء من ذكر أو أنثى.
وتعقبه في البحر بأنه يحتاج إلى ثبوت صحته، وأنا أقول: غالب ظني أني وقفت على تصحيحه لكن في تخريج الآية عليه كلام لا يخفى {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا؛ وأصل معنى التسوية جعل الشيء سواء أي مستويًا كما فيما {تسوى بِهِمُ الأرض} [النساء: 42] ثم إنه يستعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كما في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] فإذا قرن بالخلق والإيجاد كما هنا فالمراد به الخلق على أتم حال وأعدله حسبما تقتضيه الحكمة بدون إفراط ولا تفريط، ونصب {رَجُلًا} على ما قال أبو حيان على الحال وهو محوج إلى التأويل.
وقال الحوفي: نصب على أنه مفعول ثان لسوى، والمراد ثم جعلك رجلًا، وفيه على ما قيل تذكير بنعمة الرجولية أي جعلك ذكرًا ولم يجعلك أنثى.
والظاهر أن نسبة الكفر بالله تعالى إليه لشكه في البعث وقوله: {مَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} [الكهف: 36] والشاك في البعث كما في الكشف كافر من أوجه الشك في قدرته تعالى وفي أخباره سبحانه الصدق وفي حكمته ألا ترى إلى قوله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] وهذا هو الذي يقتضيه السياق لأن قوله: {أَكَفَرْتَ} إلخ وقع ردًا لقوله: {مَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} [الكهف: 36] ولذلك رتب الإنكار بخلقه من تراب ثم من نطفة الملوح بدليل البعث وعليه أكثر المفسرين ونوقشوا فيه.
وقال بعضهم: الظاهر إنه كان مشركًا كما يدل عليه قول صاحبه تعريضًا به {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} [الكهف: 38] وقوله: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} [الكهف: 42] وليس في قوله: {لئن رُّدِدتُّ إلى رَبّى} [الكهف: 36] ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مر مع أن الإقرار بالربوبية لا ينافي الإشراك فعبدة الأصنام مقرون بها وهم مشركون فالمراد بقوله: {أَكَفَرْتَ} أأشركت اهـ.، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ما يتعلق به.
وقرأ ثابت البناني وحمل ذلك على التفسير كنظائره المتقدمة ويلك أكفرت.
{لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى} أصله لكن أنا وقد قرأ به أبي والحسن، وحكى ابن عطية ذلك عن ابن مسعود فنقل حركة همزة أنا إلى نون لكن فحذفت الهمزة ثم حذفت الحركة ثم ادغمت النون في النون، وقيل حذفت الهمزة مع حركتها ثم أدغم أحد المثلين في الآخر وهو أقرب مسافة إلا أن الحذف المذكور على خلاف القياس، وقد جاء الحذف والإدغام في قوله:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ** وتقلينني لكن إياك لا أقلي

فإنه أراد لكن أنا لا أقليك، وهو أولى من جعلهم التقدير لكنه إياك على حذف ضمير الشأن، وأبعد منه جعل الأصل لكنني إياك على حذف اسم لكن كما في قوله:
فلو كنت ضبيًا عرفت قرابتي ** ولكن زنجي عظيم المشافر

أي لكنك مع نون الوقاية، وبإثبات الألف آخرًا في الوقف وحذفها في الوصل كما هو الأصل في أنا وقفًا ووصلًا قرأ الكوفيون وأبو عمرو وابن كثير ونافع في رواية ورش وقالون، وأبدلها هاء في الوقف أبو عمرو في رواية فقال: {لكنه} ذكره ابن خالويه، وقال ابن عطية: روى هارون عن أبي عمرو {لَّكِنَّ هُوَ الله رَبّى} بضمير لحق لكن وقرأ ابن عامر وزيد بن علي والحسن والزهري بإثبات الألف وقفًا ووصلًا وهو رواية عن نافع ويعقوب وأبي عمرو وورش وأبي جعفر وأبي بحرية، وجاء ذلك على لغة بني تميم فإنهم يثبتون ألف أنا في الأصل اختيارًا وأما غيرهم فيثبتها فيه اضطرارًا، وقال بعضهم: إن إثباتها في الوصل غير فصيح لكنه حسن هنا لمشابهة أنا بعد حذف همزته لضميرنا المتصل ولأن الألف جعل عوضًا عن الهمزة المحذوفة فيه وقيل أثبتت إجراء للوصل مجرى الوقف وفي إثباتها دفع اللبس بلكن المشددة، ومن إثباتها وصلًا قول الشاعر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ** حميدًا قد تذريت السناما

وفي رواية الهاشمي عن أبي جعفر حذفها وصلًا ووقفًا، وروي ذلك أيضًا عن أبي عبلة وأبي حيوة وأبي بحرية، وقرأ: {لكننا} بحذف الهمزة وتخفيف النونين، و{المهاد لَكِنِ} في جميع هذه القراءات حرف استدراك لا عمل له وأنا مبتدأ أول و{هُوَ} ضمير الشأن مبتدأ ثان و{الله رَبّى} مبتدأ وخبر، والجملة خبر ضمير الشأن وهي غنية عن الرابط وجملة ضمير الشأن وخبره خبر المبتدأ الأول والرابط ضمير المتكلم المضاف إليه، والتركيب نظير قولك: هند هو زيد ضاربها، وجوز أن يكون {هُوَ} مبتدأ ثانيًا والاسم الجليل بدلًا منه و{رَبّى} خبره والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الياء أيضًا وفي البحر أن {هُوَ} ضمير الشأن وثم قول محذوف أي لكن أنا أقول هو الله ربي، ويجوز أن يعود على {الذى خَلَقَكَ} [الكهف: 37] أي لكن أنا أقول الذي خلقك الله ربي فخبره الاسم الجليل و{رَبّى} نعت أو عطف بيان أو بدل انتهى، ثم جوز عدم تقدير القول واقتصر على جعل {هُوَ} ضمير الشأن حينئذٍ حسبما سمعت، ولا يخفى أن احتمال تقدير القول بعيد في هذه القراءة ولعل احتمال كون الاسم الجليل بدلًا أقرب معنى من كونه خبرًا وعود الضمير على الذي خلقك، وجوز أبو علي كون ن ضمير الجماعة كالتي في خرجنا وضربنا ووقع الإدغام لاجتماع المثلين إلا أنه أريد بها ضمير المعظم نفسه فوحد {رَبّى} على المعنى ولو اتبع اللفظ لقيل ربنا ولا يخفى ما فيه من البعد، وقال ابن عطية في الآية: يجوز أن تكون لكن هي العاملة من أخوات إن واسمها محذوف وحذفه فصيح إذا دل عليه الكلام والتقدير لكن قولي هو الله ربي، لكن ذلك إنما يتم لو قرئ بحذف الألف وقفًا ووصلًا وأنا لا أعرف أحدًا قرأ بذلك انتهى، وأنت قد عرفت من قرأ به، وقد ذكر غيرهم قرؤا أيضًا أبو القاسم يوسف بن علي الهذلي في كتابه الكامل في القراءات لكن لا أظنك تستحسن التخريج على ذلك.
وقرأ عيسى الثقفي {لَّكِنَّ هُوَ الله} بسكون نون لكن، وحكاه ابن خالويه عن ابن مسعود والأهوازي عن الحسن وإعرابه ظاهر جداف.
وقرئ: {لكن أنا هو الله لا إله إلا هو ربي} ويعلم إعرابه مما مر، وخرج أبو حيان قراءة أبي عمرو على رواية هارون على أن يكون {هو} تأكيدًا لضمير النصب في {لكنه} وجعله عائدًا على {الذي خلقك} [الكهف: 37] ثم قال: ويجوز أن يكون فصلًا لوقوعه بين معرفتين، ولا يجوز أن يكون ضمير شأن لأنه لا عائد حينئذٍ على اسم لك من الجملة الواقعة خبرًا انتهى، ويا ليت شعري ما الذي منعه من تجويز أن يكون ضمير لكنه للشأن ويكون {هُوَ} مبتدأ عائدًا على {الذى خَلَقَكَ} [الكهف: 37] والاسم الجليل خبره و{رَبّى} نعتًا أو عطف بيان أو بدل والجملة خبر ضمير الشأن المنصوب بلكن أو يكون {هُوَ} مبتدأ والاسم الجليل بدلًا منه و{رَبّى} خبرًا والجملة خبر الضمير.
هذا وقوله: {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} عطف على إحدى الجملتين والاستدراك على {أَكَفَرْتَ} [الكهف: 37] وملخص المعنى لمكان الاستفهام الذي هو للتقرير على سبيل الإنكار أنت كافر بالله تعالى لكني مؤمن موحد.
وللتغاير الظاهر بين الجملتين وقعت لكن موقعها فقد قالوا: إنها تقع بين كلامين متغايرين نحو زيد حاضر لكن عمرو غائب، وإلى كون المعنى ما ذكر ذهب الزمخشري وغيره، وذكر في الكشف أن فيه إشارة إلى أن الكفر بالله تعالى يقابله الإيمان والتوحيد فجاز أن يستدرك بكل منهما وبهما معًا أي كما هنا فإن الإيمان مفاد أنا هو الله ربي والتوحيد مفاد {لا أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} وأنت تعلم أيضًا أن الشرك كثيرًا ما يطلق على مطلق الكفر وجعلوا منه قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وأنه يمكن أن يكون الغرض من مجموع الكلام إثبات الإيمان على الوجه الأكيد، ولعل شرك صاحبه الذي عرض به في الجملة الثانية كما صرح به غير واحد بهذا المعنى.
وقيل الشرك فيه بالمعنى المتبادر وإثباته لصاحبه تعريضًا باعتبار أنه لما أنكر البعث فقد عجز الباري جل جلاله ومن عجزه سبحانه وتعالى فقد سواه بخلقه تعالى في العجز وهو شرك، وقيل باعتبار أنه لما اغتر بدنياه وزعم الاستحقاق الذاتي وأضاف ما أضاف لنفسه كان كأنه أشرك فعرض به المؤمن بما عرض فكأنه قال: لكن أنا مؤمن ولا أرى الغنى والفقر إلا من الله تعالى يفقر من يشاء ويغني من يشاء ولا أرى الاستحقاق الذاتي على خلاف ما أنت عليه؛ والإنصاف أن كلًا من القولين تكلف، وقيل في الكلام تعريض بشرك صاحبه ولا يلزم أن يكون مدلولًا عليه بكلامه السابق بل يكفيه ثبوت كونه مشركًا في نفس الأمر وفيما بعد ما هو ظاهر فيه فتأمل، ثم اعلم أن ما تضمنته الآية ذكر جليل، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب: «الله ربي لا أشرك به شيئًا».